- دون ديباجة هذه المرة سأقول لكم شعوري باختصار، أنا منزعجة، بل مجروحة حقًّا، وأتألم لكل المعنفات اللاتي سمعنا أصواتهن، وربما أكثر للأصوات التي لم يسمعها أحد ولم يعلم عنها أحد.
- يقول البعض إن العنف ازداد فجأة، وأظنه لم يزدد ولم يظهر فجأة، بل اختلفت نظرتنا له، وطريقة تعاملنا معه، كما أسهمت وسائل التواصل الاجتماعي في إظهاره للسطح بطريقة تجعل تجاهله والتغاضي عنه بطريقة النعامة غير ممكنة وغير أخلاقية.
للأسف يتعامل أغلبيتنا مع قضايا المجتمع بطريقة (هذا لن يحدث لي)، وغالبا تدور الدنيا ويثبت العالم كرويته مرة أخرى، ويحدث لنا أو لمن نعرف ما كنّا نستبعد حدوثه تماما، فالصرخة التي شقت ظلام الليل في أبها قد تسمع مثلها في بيت ابنك أو ابنتك، والسكين التي ارتفعت في الحفر أو في الجنوب قد تصلك طعنتها وتتجرع مرارة أحداثها أو تبتلى بها.
- لذلك أقول وبالله التوفيق، لا بد أولا من تجريم التعنيف، وأعني بالتجريم اعتباره جريمة كبرى تستوجب التوقيف والمحاكمة، ولا يسقط فيها الحق العام حتى لو أسقط المعنف أو المعنفة حقه الخاص، فللدولة قانون وهيبة يجب أن تحترم، والعبث بقيم الأمن والأمان داخل البيوت ينزعهما من الشارع، وما فوضى التخريب الحاصلة حولنا إلا من تداعيات العنف والغضب الدفين.
- علينا ثانيا أن نمتلك سجلا قانونيا حكوميا مرتبطا برقم الأحوال المدنية لكل شخص نعرف من خلاله قضايا التعنيف المسجلة على أي شخص على مستوى الدولة. هذا السجل تتم إتاحة الاطلاع عليه للمتخصصين في الإجراءات الرسمية كفحوص الزواج أو الفحص الوظيفي أو فحص الابتعاث أو الترشيح لأي وظيفة من الوظائف الممتازة في الدولة أو المؤسسات الدولية، حماية للمجتمع من المعنفين، وكسرا لدائرة السرية التي يحتمي بها المعنفون من جرائمهم تجاه من يشاركونهم السقف نفسه. هذه الخطوة ستجبر غير الآدميين على استكشاف الجزء الآدمي من ذواتهم وتهذيب أخلاقهم، وكذلك سيدعو الأهالي لتربية أبنائهم وبناتهم.
- ثالثا وهو الأهم، على المؤسسات المعنية التعليمية أو الصحية أو القانونية مراجعة طريقة التعامل مع المعنف عند الاكتشاف أو المعالجة أو التبليغ. التبليغ ليس اختيارا، بل هو واجب مهني وقانوني يعاقب من يخالفه.
- عندما يصل الإنسان للحد الذي يستنجد بالدولة على شخص قريب منه كأب أو أخ أو أم فهذا معناه أنه يتعرض لما لا يمكنه احتماله، الحل لا يكون بإبلاغ المعنَّف أن هناك من يشتكيه أو بلغ عنه، بل باقتياده للتحقيق عاجلا وإبعاده عن المتضرر وإجراء الكشف الطبي والتقييم النفسي الملائم لجميع الأطراف قبل أن يتم البت في القضية أو طيها.
- في حالة النساء، أعرف كغيري أن خوف المعنفات من عواقب التبليغ عن التعنيف عليهن وعلى أبنائهن واستقرارهن هو ما يجعل المعنفين يتمادون في استعراض سلطتهم العضلية والفكرية على ضحاياهم.. لقد تأخر إقرار قانون التعنيف كثيرا، وأتمنى كغيري أن يرى النور قريبا، لا يستطيع أي إنسان سويّ العقل والإنسانية أن يتجاهل صرخات الضعفاء لأنها لا تحدث له.
نادية الشهراني - كاتبة سعودية