* لازلت أذكر جارتنا "المصرية" وهي في حقيقة الأمر “سعودية" ولكنهم كانوا من ضمن ممن ذهبوا للعيش في مصر الجميلة وتربوا هناك وعادت بعد زواجها إلا أن لقب " أم إبراهيم المصرية" قد لازمها .
* كانت بسيطة للغاية لم تملك شيء سوى تربية أولادها اليتامى....
* لم تكن تملك سوى أن تجمع البيض الطازج من بيت الدجاج الذي تربيه وتهديه لنا ..كانت تجمعه بعلبة الحليب وكنت أنتظر بلهفة عجيبة ذلك البيض .
* لم أبالي بأطباق البيض التي يحملها أبي رغم كل الخير الموجود بدارنا إلا أن قلبي الطفولي قد تعلق بتلك المرأة. لما .. لا أعلم ؟! ربما هو مضحك للبعض هذا الأمر .. حسناً ليكن. أنا نفسي أتذكره وأضحك .
* كل اهتمامي كان بتلك العلبة الذهبية ولم تكن سوى علبة حليب إلا أنها قد غدت ذهبيه بالنسبة إلي ...لا أذكر أنني سمعت لها صوتاً قط وهي ترتدي ملاءتها السوداء بطريقة نساء بادية سيناء واعجبي حتى خطواتها صامته.
* لا أدري هل أحاط الحزن بتلك المرأة حتى في خطواتها . وكيف لعقولنا الطفولية أن تتجاوز ضحكات الطفولة ..لتنظر لها هكذا .
* نعم يا أم إبراهيم الجميلة كنّا نراك بأعيننا جميلة للغاية ..كنّا نراك ملاك رحمة حينما تطرقين الباب لتهديننا تلك العلبة. الذهبية بلهفة الأطفال ننتظرها كنت أشاهدها .. وهي تعبر الحي لتجلب ابنها اليتيم من المدرسة حافية القدمين مرات حينما يطيل الخروج.. لا أعلم ما الذي اعترى فكري الطفولي حينها ..أهو شعور الطفل لرفض النساء لها .. لأنها ضعيفة الحال رغم أن أهل زوجها ميسوري الحال للغاية .. أم هو ضعف الإنسان حينما لا يملك القدرة للدفاع عن نفسه ..وسط تسلط الغرباء .
* كنت أراها غريبة وحيدة حتى بيتها كان بأقصى طرف بيوت أهل زوجها. حينما أتذكر مشاعري وقتها ..أتعجب لما كنت أحزن عليها.. لما كنت أتعاطف معها. ربما هو ذاك الشعور الذي زرعه والدي بقلوبنا بالإحساس والرأفة بالضعفاء ومساعدتهم ربما هو ذاك الخُلق الذي زرعه والدي فينا أن نشكر الاخرين لأي شيء يقدمونه لنا وكأنهم قدموا كنوز الدنيا لنا .
*ما الذي ينقص الناس حينما يتعاملون مع بعضهم البعض بكل ود.. بكل خير واحترام.. بكل تواضع وطِيب .. ما الذي يمنعهم من أن تتحلى أخلاقهم وأعمالهم بكل الإنسانية النقية التي منحنا إياها الله عز وجل .
* نعم نحن بشر ولسنا ملائكة نخطئ ونُصيب .. ولكن ماذا يحدث إن تعلمنا تجاوز سيئاتنا لنغدو أجمل وأرقى في كل تعاملاتنا الإنسانية .. بلا أية رتوش سوداوية ..فقط كن إنسان جميل من القلب .. حينها يغدو كل شيء جميل .. حتى ذرات الهواء التي تحيط بك.
* فسلاماً سلاماً لروحك أبي ولكل الأرواح الجميلة ممن عرفناهم التي حملت لنا قناديل الخير حتى أضاءت الكثير من العتمات.. يا رِفاق .
* عزيزة علي - تبوك