قد لا يفهم بعضنا أمورالكرة ، وحين يصبح الوطن طرفا نتحول جميعنا إلى عشاق لهذه الكرة .
وقد لا تعنينا الملاعب ولا البطولات ولا النجوم ، ولكن حين يرتدي اللاعبون قمصانا موشاة بالوطن يرتفعون بالقمصان إلى رايات على سواري قلوبنا ، فتعنينا الملاعب والبطولات والنجوم .
ورغم أن الكرة كملهاة لا تمثل لمعظمنا شيئا ، إلا إن منتخب الوطن حين يتعملق إسمه على شاشة الاستاد وقبالة اسم منتخب وطن آخر ، يصبح الفوز قضية قومية ، وتصبح الملهاة الشبابية منجزا تاريخيا يسجل لنا أو علينا .
ورغم أن قواعد الفيفا لا تسمح لأكثر من أحد عشر لاعبا يصنعون مجد التسعين دقيقة ، إلا أننا ننسف وراء ظهورنا كل ما يتصل بالفيفا وقواعده واشتراطاته ، فنسارع للهبوط من غدور النخل وفي أيادينا عبق الطلع ، ونُطْلق الأفلاج في الأودية وفي أكفنا حمدة السواقي فنندفع بالملايين صوب المستطيل الأخضر ، ووراء الشاشات في البيوت والميادين والمقاهي ، وقد اتخذنا من أعمدة إنارة الإستاد نخل اللحضة ، ومن المشاعر أفلاجنا المتدفقة ، فحتمية الفوز لا تمليه قواعد الفيفا بل تفرضه خياراتنا لوطن يجب أن يتصدر في كل تصنيف وإن كان رياضيا .
وبطولة الكأس العسكرية الرياضية التي انتهت بصفارة الحكم الفرنسي مساء السبت كانت واحدة من نزالات الوطن في الجبهات الرياضية ، وكان لا بد أن يحسمها شبابنا وليهدونها للذين تركوا النخل والفلج ، وزحفوا لمؤازرة قمصان بلون الراية ، وصولا لفوز باستحقاقات الجهد .
ورغم البلاء الحسن للاعبين العسكريين المبخرين برائحة البارود والمعفرين بتراب الخنادق ، إلا إن شيِّابهم في البيوت كانوا بنفس الحماس وبذات القمصان المعفرة بعبق الحقول يسابقون بأمانيهم وبعصيهم أقدام اللاعبين ، وكانوا معهم يمررون الكرة ويسددونها بعد مناورة موفقة نحو شباك الخصم .
وكانوا شركاء منذ ركلة البداية ، إلى أن أطلقوا بقلوبهم صافرة النهاية قبل أن يصادق الحكم على ركلة الترجيح الأخيرة .
وحين عانقت عيون الملايين كلمة "عاجل" وفوز عمان بالكأس ذرفوا الدموع وعادوا للنخل والأفلاج .
ورغم أنها مجرد كرة لن تضيف لرصيدنا رقما ، ولن تمحو من سجلنا صفحة ، إلا أننا مع ذلك أقبلنا على هذه الكرة في ملحمة مجد أنستنا احتياجاتنا وانشغالاتنا وقضايانا لمجرد أنها وضعتنا في رهانات التصنيف الأممي ، وجعلتنا أمام فوهة مدفع التحدي بين الرقي بالإسم أو التقهقهر إلى الخلف ، فكان الخيار ينحاز دوما بما يليق بالوطن وبما يعبر عن استحقاقاته .
لقد ذهبنا للاستاد وبأيادينا صور سيدنا ورايات بلادنا ، وملأنا المساء كله هتافات وغناء ، ولم تكن الكرة هوسنا ، ولا اللاعبين العسكريين الذين نسمع أسماء بعضهم لأول مرة يسكنون بصورهم وجداننا وجدران بيوتنا ، ولكن الوطن وحده كان قضيتنا ، فهتفنا للوطن وتغنينا باسمه ، وفرحنا به وفرحنا له .
ومن صدف التاريخ أنني حضرت مطلع الثمانينيات كصحفي أول مشاركة عسكرية رياضية عمانية في الدوحة عاصمة قطر وكان ترتيب منتخبنا في المركز الأخير في البطولة ، ونشهد اليوم نقلة في الترتيب من الأخيرإلى الفوز بكأس العالم للرياضة العسكرية وتكون لصدفة التاريخ مع قطر أيضا .
ومنذ فجر النهضة المباركة انفتحنا على الساحرة المستديرة فمارسناها بتعقل ، ولم نسمح لها بأن تفقدنا توازننا ، ولا أن تصدر لنا جنونها وعاهاتها ومصائبها وعصبياتها .
وطوال سبعة وأربعين عاما شهد سجلنا وتصنيفنا الرياضي انتقالة واكبت التطور الذي طبع كل مرفق من مرافق الحياة ، وتقدمنا بمراحل على الكثيرين ممن سبقونا .
كما بتنا نحب الكرة كما يحبونها ، ولكننا كنا ولا نزال وسنبقى نحب وطننا أكثر .
بقلم /حمود بن سالم السيابي
سلطنة عمان - مسقط