فرض البارالمبيون مكانتهم بقوة على خارطة الرياضة العالمية، لكونها (البارالمبية) قصة تاريخية شهدتها الحروب وما خلفته من ضحايا فقدوا أجزاء من أجسادهم، ومن المحن سطروا نجاحاتهم، بإرادة وعزيمة شديدتين.
قال التاريخ أنهم مارسوا الرياضة، فأصبحت المتنفس لهم، لكن ما بعد تلك النظرة كان أكثر عمقاً، حين جاهدوا في فرض مكانتهم أسوة بأقرانهم الأسوياء، وشيئاً فشيئاً، بدأ الصوت الخافت يعلو “نحن هنا، لدينا حقوقنا، بل لدينا كامل الإستعداد”.
فإذا كُنت تستصعب المشي في وجود برك ماء، كان بالنسبة لسيلفانيا كوستا دي أوليفيرا ، القفز لمسافة أربعة أمتار وثمانية وتسعين سنتيمترات، بوجود إعاقة بصرية حادة أمر عادي، وحصلت لقاء ذلك على الميدالية الذهبية، في القفز الطولي في الألعاب البارالمبية، في ريو عام 2016.
هذا هو عالم الرياضة البارالمبية المدهش.
قصة واحدة تكفي لتخبرك أن الطموح والإرادة غير متوقفٍين على فقد طرف من جسدك، لكن حضور بطولة بارالمبية كفيل بزخ كم هائل من القصص العظيمة لشخصيات متنوعة.
هذا ما حدث في بطولة فزاع الدولية لرافعات القوة النسخة الحادية عشرة في دبي 2021 فهي أكثر من كونها قصة تنتظر السرد على صدر الصحف، لأن ما شاهدته على مدار تسعة أيام كان يستحق أن يًذكر بكل تفاصيله.
انطلقت بطولة فزاع الدولية لأصحاب الهمم النسخة الحادية عشرة لرافعات القوة في دبي، والتي أستمرت حتى الرابع والعشرون من جون(حزيران) الماضي،
وسط احترازات صحية مشددة، وبمشاركة 300 لاعب ولاعبة، يمثلون نحو 62 دولة للتأهل لدورة الألعاب البارالمبية ، التي ستعقد في نوفمبر القادم بطوكيو.
أتسمت البطولة بالحماس الشديد رغم قلة الحضور نظراً للأحترازات المشددة، ومع ذلك، لم يقل أستعداد اللاعبين عن أي بطولة جماهيرية تحدث في ظروف أخرى، وكان من المهم التوجه الى رئيس اللجنة البارالمبية للقارة الأسيوية ماجد العصيمي للسؤال حول اللاعبين المتوقع وصولهم للنهائيات قبل أنتهاء البطولة،
وكنت أعتقد أنه سيصف أسماء اللاعبين المتوقع تأهلهم، لكنني تفاجأت حين أجابني بأن التكهنات في ذلك الوقت”ضبابية” بحكم قرب متابعته، فسالته كيف؟ ولما؟
وتابع، “فرضت الجائحة قيودها في البعض من البلدان أو المدن، فالإغلاق الشامل على سبيل المثال، حال دون ممارسة البعض للرياضة خارج محيطه، وفي ظل ظروف الجائحة ، تحولت وتبدلت البعض من الأمور الخارجة عن السيطرة، ضمنها استحواذ اليأس على البعض من اللاعبين أصحاب الإرادة ما أدى لتراجعهم، في المقابل شهد الحال إصرار البعض الأخر على الصمود والوصول للنهائيات، وتعتبر بطولة فزاع فرصة لمن لم يستسلم للظروف ويفوت الفرصة”.
كانت الإرادة والإصرار أكثر حضوراً في مشهد البطولة رغم الظروف القاهرة للجائحة، والأكيد أن أستمرار إقامة البطولة في هذا التوقيت، وفي هذه الظروف، رسالة ذات عمق كبير مفادها،أن الإرادة يجب أن لا تتوقف مهما كانت الظروف.
واحدة من أجمل القصص التي سمعتها عن البارالمبية يحكيها رئيس اللجنة البارالمبية ماجد العصيمي حين سألته عن العراقيل السياسية التي قد تقف حاجزاً أمام نهوض الرياضة البارالمبية وموقفه منها، فأجاب “لأن الرياضة بعيدة عن السياسة، وهدفها نشر المحبة والسلام، فسأفعل كما فعلت مع الكوريتين الشمالية والجنوبية، ورغم حجم التوتر السياسي بين البلدين، الا أن مشاعر الشعبين لبعضهما البعض كانت عظيمة، وأثناء الألعاب الأسيوية في جاكرتا أُعلن عن الفريق بشكل موحد، ولبس موحد، وأثناء مشاركتهم في طابور الأفتتاح كان موقف مهيب، جمعتهم الرياضة بعد أن فرقتهم السياسة”.
ياسمين الفردان – إعلامية سعودية
Yasminalfardan@gmail
.com
Instagram : yasmeenalfardan