الدمام – المختصر الإخبارية
▪️صدر للكاتب والروائي السعودي خليل بن إبراهيم الفزيع آخر رواياته الاجتماعية والتي حملت اسم
“سراديب الليالي الحالمة” والصادرة عن دار ريادة للنشر والتوزيع بجدة،
▪️إذ يحاول الفزيع من خلالها تسليط الضوء على العلاقات الاجتماعية وما قد يعتريها من ظروف ناجمة عن الاختلاف المذهبي الذي يفرز تنوعاً ثقافياً يسوده التسامح في مجتمع بلدة “النعايم”التي يقطنها السنة والشيعة في وفاق تام منذ مئات السنين،
▪️إلى أن تغيرت الظروف الاجتماعية بتغير الظروف السياسية بعد الثورة الإيرانية، ثم غزو الكويت، وصولاً إلى ما يعيشه المجتمع الخليجي في الوقت الراهن من إيقاع حياتي سريع، مصحوب بوعي جديد ينسجم مع معطيات العصر التي لم تكن منطقة الخليج بمنأى عنها، بل هي جزء من خضمها المتلاطم،
▪️وقد استقطبت ” النعايم ” أبطالها الوافدين من عدة جهات لتشكل فسيفساء معبرة عن حراك اجتماعي يستجيب للتحولات التي تؤثر على تفاصيل التفاصيل في المجتمع، بثنائية يمثل طرفها الجاد: الشيخ موسى الذي مرت حياته بعدة تحولات بدأت بعد تخرجه من
” قم “وعودته مثقلاً بالأفكار السلبية، إلى أن توفي ابنه محسن في موكب عزاء الحسين، لتتحول قناعاته من التشدد إلى المرونة في النظر إلى الأمور بعين الواقع،
▪️أما أبو عايشة القادم من بلده هروباً من الثأر حين قتل أخته وعشيقها ليجد في “النعايم”مقره الأخير بعيداً عن أهله ومجتمعه، بعد رحلة طويلة اجتازها براً وبحراً ليستقر به المقام في النعيم بأمن وسلام.
▪️أما الجدة أم حيدر، فكانت صمام الأمان لأسرتها ومرجع نساء مجتمعها في كثير من الأمور، بعد أن رحل زوجها وترك لها بيته الكبير بمكتبته الحافلة بشتى أنواع الكتب، كما ترك معها ابنهما حيدر، وابنتهما رقية التي تزوجت ابن عمها الشيخ موسى لتصبح خاتماً في يده وعدد من الأولاد لم تقدر لهم الحياة طويلاً بعد أن اجتاح المنطقة وباء حصد الكثيرين، وخلف من مآسي الفقد ما لا يعد ولا يحصى، لا في “النعايم” فقط ولكن في كل البلاد.
▪️أما سكينة فكانت صورة مشرقة للفتاة الطموحة، إذ عاشت في أسرة فقيرة، ونبغت في الشعر، وهي المقربة جداً من حوراء ابنة الشيخ موسى والتي لقيت الكثير من تشدد والدها، قبل أن يتوفى أخوها محسن لتصبح الأقرب إلى والدها، ثم ترتبط بقصة حب فاشلة مع سليمان الابن الوحيد لأسرة كويتية أرغمها الغزو الصدامي على النزوح لتحل ضيفة في منزل الحجية أم حيدر.. كغيرها من الأسر الكويتية التي استضافتها البلاد في خلال فترة الغزو.
▪️وتمثل الطرف العابث من هذه الثنائية شلة بنات البلد.. حوراء وسوسن وعلياء وسعدية: حوراء كما أشرنا هي ابنة الشيخ موسى وتكاد تكون البطلة الأولى التي تدور حولها الأحداث إلى حد كبير، أما سوسن فهي ابنة خالها حيدر تتسم بسمنتها وخفة دمها، ثم علياء الفنانة التشكيلية صديقة حوراء منذ المرحلة الثانوية، والتي ترتبط بمحمود بقصة حب عارمة بعد عودته من أمريكا وزواجه في مدينته الشمالية التي تركها ليعمل في “النعايم”وبعدها سعدية ذات المزاج المتقلب التي تقودها مزاجيتها إلى مغامرات تودي بحياتها،
▪️وبين هذه الشخصيات.. تطل برأسها شخصيات أخرى بعضها هامشية وأخرى لها مواقفها التي تستحق الذكر لولا ضيق المجال: مثل عادل زوج حوراء، وابنتي عمه حمدة واعتدال، وسعد الجنوبي زميل عادل في دراسته الجامعية، ومعظم أبطال الرواية يملك كل واحد منهم مقومات بناء رواية خاصة به، لكن الكاتب استطاع أن يجمع خيوط هذا الشتات لينسج هذه الرواية في لحمة واحدة، اتسمت بالتدرج في نموها الهادئ أحياناً والصاخب أحياناً أخرى بعيداً عن الرتابة، أو السرد المتوالي، حيث أتاح الكاتب لشخصياته فرصة التطور في المواقف والأحداث الدرامية الباعثة على الدهشة في بعض تجلياتها.
▪️ هذه بعض ملامح فصول هذه الرواية التي يصعب ذكر كل تفاصيلها، أو حتى اختصار تلك التفاصيل بصفة شمولية وعامة، إنما هي لقطات لتقريب ملامح الرواية للمتلقي بالقدر الذي تسمح به المساحة المتاحة للكتابة الانطباعية، حول النص ذاته. ومن أراد المزيد فعليه الرجوع للرواية، وفيها ما يروي عطشه، بما تمثله من عالم مفعم بالحيوية والحركة الدائمة في سعيه الدؤوب لإثبات نفسه على مسرح الحياة.
▪️وقد استثمر الكاتب التراث الشعبي ووظف أغانيه في خدمة النص من خلال حضورها في الوقت المناسب لتسهم في تعميق الشعور بصدى بعض المواقف في النفس، كما لم تغب الأمثال الشعبية عن الأجواء العامة في الرواية، وكان للشعر نصيبه أيضاً. ومع أن المؤلف ترك لكل شخصية التعبير عن حالتها الخاصة، لكنه تدخل في بعض الحالات للشرح أو الإضافة، الأمر الذي كان بالإمكان الاستغناء عنه ليظل سياق الأحداث في اتجاهه الطبعي دون تدخل من الكاتب، حتى لا تتحمل شخصيات الرواية، تبعات هذا التدخل عندما تحمّل صفات لا تنسجم مع طبيعتها، أو تُستنطق بحوار خارج عن قدرتها على التعبير.
▪️يبقى السؤال، أين هي بلدة “النعايم” ؟ التي لن يجدها القارئ حتماً على الخريطة، فهل هي من ابتكار الكاتب؟ أم هي بلدة حقيقية استبدل الكاتب اسمها بـ
“النعايم” تجنباً لأي إشكال قد يؤدي إليه سوء الفهم؟
▪️المهم أن هذه الرواية تبقى شاهدة على عصرها، ومعبرة عن جوانب هامة من التاريخ السياسي والاجتماعي لواحة شاسعة وعامرة بالنخيل والخير العميم.. كما توحي هذه الرواية بالكثير، وهي التي تستمد جمالها من التمازج بين الواقع والخيال، بلغة سليمة، وأسلوب متقن، وبناء درامي أنيق، ومحكم في هندسته
المعمارية الصلبة.
▪️وتعتبر هذه الرواية هي السابعة في إصدارات الفزيع الروائية بعد كل من النعاثل، ومواجع الأيام، وبلال وبعض التفاصيل، وبراحة الخيل، والقيصرية، وحريق القيصرية.