ميني نيوز – تحقيق ياسمين – الرباط
شهر الإيمان والخيرات بالمملكة المغربية فيه كل شيء يوحي بقيمته الجليلة، حيث لازال المغاربة متشبثون بعاداتهم وتقاليدهم التي اكتسبوها عبر التاريخ ومرور الأزمان، في مزيج بين تقاليد بربرية امازيغية ونفحات عربية إسلامية محضة، فشهر البركات والخيرات يحمل إلى المغاربة البهجة والسرور ويحضا بترتيبات خاصة لا نعهدها في سائر الأيام…
تحضيرات للاحتفاء بشهر البركات
يبدأ التحضير لاستقبال شهر رمضان في المغرب على بعد أسابيع حيث يمكن للجميع ان يلحظ مدى احتفاء المغاربة بقدوم هذه الأيام المباركة، ويظهر هذا جليا في أواخر شهر شعبان حيث تبدأ التحضيرات داخل كل بيت مغربي وتبدأ النسوة أولا بنظافة وتوضيب البيت وذلك بطلاء الجدران احيانا وتنظيف الزرابي والأفرشة لكي يستقبل الشهر ببيت نظيف منظم مع إعداد مكان محدد لتتجمع فيه العائلة على وجبة الإفطار وفي غالب الأحيان يكون مقابل لشاشة التلفاز، ثم تبدأ حملات التسوق بشراء الصحون ومفارش الطاولات وبعض الأقمشة وغيرها…
تزدهر تجارة التوابل والفواكه الجافة والحلويات… إذ يعرف الإقبال على هذه المواد بشكل كبير حيث تشتري النساء
السمسم واللوز والجوز والفول السوداني… ليحضرن ما يلزم لاستقبال شهر الصيام، ويستأنف تحضير بعض
أنواع الحلوى الأكثر استهلاكًا، والأشد طلبًا على موائد الإفطار كالشباكية والبقلاوة وسلو… وبمجرّد أن يتأكّد دخول شهر رمضان حتى تنطلق ألسنة أهل المغرب بالتهنئات قائلين : ( عواشر مبروكة ) والعبارة تقال بالعامية المغربية، وتعني ( أيام مباركة ) مع دخول شهر الصوم بعواشره الثلاثة: عشر الرحمة
، وعشر المغفرة، وعشر العتق من النار…ثم ترى الناس يتبادلون الأدعية والمباركات والتهاني فيما
بينهم سرورًا بحلول الضيف الكريم.
الجلباب الرمضاني المغربي
وكما تهتم المغربيات باقتناء مستلزمات البيت والمأكولات لا تغفلن مظهرهن وتقصدن محلات القماش
لتفصيل الأثواب ثم الخياطات والخياطين لتحضير جلابة أو عباءة رمضان وهو تقليد تعودن عليه المغربيات، ورغم تشبثهن وخاصة جيل الشباب، بمظاهر الحياة العصرية، إلا أنهن يفضلون في
المناسبات الدينية كرمضان اللباس التقليدي، وأبرزه الجلباب أو الجلابة، وتبدو هذه الأخيرة ملائمة أكثر للذهاب إلى المسجد وزيارة الأهل لأنها محتشمة وبسيطة وجميلة في الوقت نفسه…
وتختلف صيحات الموضة في اللباس المغربي كل سنة بين الألوان والتطريز وغيره، وكما ان الصغيرات
كذالك يحظين بالاهتمام وتفصيل جلباب خاص لهن ليذهبن به إلى الزيارات العائلية.
ويهتم الرجال بمظهرهم كذالك حيث يقتنون الجلباب والبلغة المغربية أو الثوب الذي يستورد من المشرق
، ليلبسوه عند توجههم للمساجد والزيارات العائلية، وأغلب الرجال حتى الشباب منهم يستغنون
عن الزي العصري طوال فترة الشهر الفضيل وهذا خارج عن المألوف عند المغاربة.
ليالي رمضان… صلة رحم وتواصل
ويأتي رمضان كفرصة للتقارب والصلة بين الأرحام بعد الفراق والانقطاع، فترى المحبة ومباهج الفرح
والسرور تعلو وجوه الناس كما يستوقفنا التواجد الرمضاني الكثيف داخل المساجد، حيث تمتليء
بالمصلين لا سيما في أوقات صلاة التراويح، كما تكتظ الشوارع القريبة من المساجد بصفوف المصلين،
مما يشعرك بالارتباط الوثيق بين هذا
الشعب وبين دينه وتمسّكه بقيمه ومبادئه.
ليالي رمضان عند المغاربة يملأها الود والتواصل، فبعد تناول وجبة الإفطار الذي يفضّلها أغلب المغاربة في البيوت، مع إقامة بعض موائد الإفطار الجماعية في المساجد من قبل الأفراد والمؤسسات
الخيرية لاسيما في المناطق النائية والقرى والبوادي، يأتي أداء صلاة العشاء ومن ثمَّ أداء صلاة التراويح،
ثم يسارع الناس إلى صلة الرحم والاجتماع والالتقاء لتبادل أطراف الحديث وهنا يحظر ” الشاي المغربي ”
والحلويات المغربية كأهم عنصر من العناصر التقليدية المتوارثة، ويحكي المهتمون من أهل التاريخ عن عمق هذه العادة
وأصالتها في هذا الشعب، فظلت هذه الأخيرة تتناقل عبر الأجيال…
المسحراتي لن يبتعد عن بؤرة الحدث الرمضاني
ومن أبرز الأنشطة الرمضانية التي تعرفها المملكة المغربية خلال الشهر الكريم منذ سنوات عدة، هو إشراف وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ما يسمى بـ ( الدروس الحسنية الرمضانية ) وهي عبارة عن سلسلة
من الدروس اليومية تقام خلال أيام الشهر الكريم بحضور كوكبة من العلماء والدعاة من كل أنحاء العالم، وتلقى هذه الدروس اهتماما من الأفراد، لما يلمسونه فيها من أهمية ومدى ارتباطها بواقعهم وإجابتها عن أسئلتهم،
وتقوم وزارة الأوقاف بطباعة هذه الدروس وتوزيعها إتماما للفائدة… كما ان نفس الوزارة تحرص لليوم على إبقاء شخصية ( الطبّال ) أو ( المسحراتي ) حاضرة على الرغم من وسائل الإيقاظ التي جاد بها العصر فإن ذلك لم ينل من
مكانة تلك الشخصية في المملكة المغربية، ولم يستطع أن يبعدها عن بؤرة الحدث الرمضاني، حيث لا زالت حاضرة في كل حيّ وكل زقاق، يطوف بين البيوت
قارعا طبلته وقت السحور بالإضافة إلى النفار وهو كذالك يقوم بنفس المهمة حيث يعمل على إيقاظ الناس بواسطة نفيره
الذي يجوب به الأزقة مما يضفي على هذا الوقت طعماً مميّزا ومحبّبا لدى النفوس… كما أن الطبال والنفار يحضران في أول أيام عيد الفطر حيث يجوبان الازقة ويطرقان الأبواب ليأخذان عيدية وهي بمثابة أجر بسيط تجود به الأسر حسب قدرتها كأجر على العمل المتمثل في التذكير بوقت السحور طوال ليالي رمضان…
الإفطار المغربي… أكلات تحمل بعد تاريخي
في الإفطار المغربي تأتي الحريرة (شربة تحضر على الطريقة المغربية) في المقدمة، بل إنها صارت علامة رمضانية معروفة، ولذلك فإنها تعد الأكلة الرئيسة على مائدة الإفطار، وهي عبارة عن مزيج لعدد من الخضار والتوابل تُقدّم في آواني تقليدية تسمّى ”
الزلايف ” ويُقدم قبلها التمر والحليب و البيض وأنواع مختلفة من العصائر، كما للحلوى الرمضانية حضورٌ مهم في المائدة المغربية ، فهناك ( الشباكية ) و( البغرير ) و( السفوف ) ، والملوزة والكعب
، وحلوى التمر، وبطبيعة الحال فإن تواجد هذه الحلوى يختلف من أسرة إلى أخرى بحسب مستواها المعيشي… لكن حلوى الشباكية مثلا هي ضرورة تحضر في كل بيت منذ زمن بعيد والتي تعمل النساء على تحضيرها بكميات وفيرة قبل حلول الشهر الفضيل، لتقمن بتقديمها كل يوم، وتختلط مكوناتها
بين الطحين، اللوز، السمسم… فيميزها الطعم الحلو التي يضفيه عليها العسل، حيث تغمس فيه بعد تحضيرها، فيكون
الناتج حلوة تحمل شكل مبتكر وطعم عسل لذيذ… وتحكي الجدات قصة الشباكية وتقلن أن أصولها عثمانية استقطبنها المغربيات من الجزائر، ويحكى أن أول من صنع
هذه الحلوى
بائع حلويات متجول، كان يجوب الحارات والشوارع ليعرض بضاعته على الساكنة، وكان يختار دائما الوقوف تحت شباك إحدى
البيوت ليقدم حلوياته، فكانت تطل عليه دائما فتاة فاتنة الجمال لتطلب منه أن يبيعها الحلوى، ومن كثرة إعجابه بجمالها قرر
صنع حلوة بشكل شباك بيتها، وزينها بالعسل ليعبر عن حلاوتها وجمالها، فقدمها لها تعبيرا عن إعجابه بالجمال الذي قدره
بالحلوى والعسل، ليطلق على الحلوى اسم الشباكية نسبة لشباك الجميلة.
وبعد صلاة التراويح تجتمع الاسر لتناول وجبة العشاء، وهي الوجبة التي تتضمن الاطباق المطبوخة حيت يفضل أكلها بعد
الصلاة لكي لا تثقل على المعدة وتقلص من اداء المصلين، وتحظى هذه الوجبة بالاهتمام الكبير من طرف النسوة حيث يعملن
على استحضار الأطباق المغربية المغذية كالطواجن التي تتوفر على الخضر المتنوعة وكذا اطباق الأسماك المختلفة والبسطيلة
المحشوة بالدجاج والجوز، وأغلب الأطباق المغربية البسيطة فهي ذات اصول بربرية قديمة أما المتوفرة على اللحوم والأسماك
والفواكه الجافة فأغلبها تحمل أصول عربية أندلسية دخلت إلى المغرب بعد تهجير المسلمين من الاندلس واستقرارهم بالمملكة.
يوم رمضاني للاحتفال بالأطفال والترحم على الأموات
تختلف العادات الرمضانية في المغرب بين مختلف المناطق والمدن، وتتميز كل منطقة بطابعها الخاص، لكن رغم وجود بعض الاختلافات البسيطة في عادات كل منطقة في المغرب فإنهم توحدوا في الاحتفال بليلة القدر، وقد أجمعت كل مناطق المغرب
على الاحتفاء بها ما بين السادسة والعشرين والسابعة والعشرين من شهر رمضان. حيث تؤكد الامهات أنهن يدركن أن ليلة القدر تعد ليلة من بين العشر الأواخر من الشهر الكريم، لكنهن اخترن ليلة السابع والعشرين للاحتفال به، وهذا
الاختيار اعتمده الأباء والأجداد وقد تعودن عليه، والمقصود منه الفرحة بليلة القدر والتقرب من الله، وهي مناسبة مميزة لدى كل الاسر المغربية يعملنا خلالها على إحياء العديد من التقاليد والعادات والطقوس في اجواء ذات طابع ديني يميزها عن باقي بلدان العالم العربي، وتعد هذه الليلة اخر احتفال روحي متميز قبل عيد الفطر، فتمتلئ المساجد والزوايا وتفوح رائحة البخور والعود من كل المنازل والمحلات.
فهذا اليوم ينتظره الصغار قبل الكبار، لأنهم يحضون خلاله بتعامل خاص حيث الطقوس الروحية والإجتماعية المتنوعة التي تحث على مرافقة الصغار إلى المساجد مرتدين اللباس التقليدي بهدف تشجيعهم على الصلاة والعبادة، كما تقيم بعض الاسر المغربية لصغارهم احتفالات يحضرها الاقارب والأصدقاء ليكرمون فيها الصغار الذين صاموا لأول مرة او اكبر
عدد من ايام شهر رمضان الكريم، كما يكون الحفل عبارة عن عرس رمزي ترتدي فيه الفتيات الازياء التقليدية وتضع الحلي
والمجوهرات وتعامل كالعروس وتجلس رفقة الأهل كأنها أميرة صغيرة، لهذا تجد الصغار ينتظرن هذا اليوم الخاص ليحظين
بهذا الاهتمام ويسعدنا بهذه التقاليد… كما ان جل الاسر تستدعي نقاشات للحناء وهن نساء يرسمن بالحناء على أيدي
كل الشابات والفتيات الصغيرات، وهذا اليوم يعرف تحضير مأكولات خاصة كالكسكس والتريد بالدجاج…، وكذالك من أهم عادات ليلة القدر لدى المغاربة، زيارة المقابر والترحم على الأموات،
في صبيحة اليوم السادس والعشرين تستيقظ الأسر للسحور، وبعد صلاة الفجر تبدأ تلاوة القرآن إما بالمساجد أو بالمنازل،
وبعدها يتجه أفراد الأسرة إلى المقابر لزيارة أهلهم وذويهم والترحم عليهم محملين بالتمر والتين الجاف للتصدق وقراءة القرآن.
ليكون هذا اليوم بدوره كختام جميل للشهر الجليل وبداية لتحضير لأيام العيد السعيد من اقتناء ملابس ومأكولات والتحضير لتجمع
العائلات واستضافة الاقارب.