زهير الغزالي -أبوظبي-المختصر الإخبارية
واصل ملتقى السرد الخليجي الثالث والذي تستضيفه وزارة الثقافة وتنمية المعرفة بالتعاون مع الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي في أبوظبي فعالياته لليوم الثاني على التوالي بثلاث جلسات عمل ناقش من خلالها مجموعة من اوراق العمل والابحاث حيث شهد الجلسات اقبال متميز من الكتاب والمثقفين الاماراتيين .
بدورها أكدت سعادة عفراء الصابري وكيل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المعرفة ان ملتقى السرد يأتي تنفيذاً للاستراتيجية الثقافية الخليجية التي تأكد على أهمية إقامة العديد من الفعاليات الخليجية المشتركة، والتي تسهم في الارتقاء بالعمل الثقافي الخليجي المشترك، و للتأكيد على الدور الإبداعي للحركة الأدبية بمنطقة الخليج العربي، وتعزيزاً للتواصل الثقافي بين أبناء دول المجلس كما يعد تقديرا لمكانة السرد في الوطن العربي واعلاء لما تضمنه التراث السردي من قيم اخلاقية وجمالية في الثقافة العربية.
وأوضحت الصابري ان وزارة الثقافة وتنمية المعرفة تهدف من تنظيم واستضافة ملتقى السرد الخليجي للتأكيد على أهمية الدور الابداعي للحركة الادبية وتطوير العمل الثقافي الخليجي ، وتعزيز الوحدة الثقافية وتنمية التبادل الثقافي بين دول المجلس وابراز الجوانب الفكرية للأطر الثقافية وتعزيز الدور الثقافي وإثراء شخصية المواطن الخليجي بتعزيز وعيه وتراثه وحريته وانتمائه والحفاظ على الهوية الحضارية العربية الإسلامية وتفعيل دور مؤسسات المجتمع المدني بهدف تقديم رؤية حكيمة مشتركة تسهم في تحديث خطة التنمية الثقافية في دول المجلس والتي تعتبر جزءا اساسيا من الخطة الشاملة للثقافة العربية وهو ما يأتي متماشيا مع الأهداف الاستراتيجية للوزارة.
كما يعد الملتقى فرصة للكتاب والمثقفين في دول مجلس التعاون لتبادل الرأي والمشورة ليس في السرد فقط وانما الشؤون الثقافية وتبني نهج قادة دول مجلس التعاون في مد جسور التعاون الثقافي بين دول الخليج واستشراف المستقبل انطلاقا من التأكيد على الهوية الثقافيةوترسيخها بين أبناء دول المجلس كما يمثل الملتقى لقاءا ثقافيا خليجيا هاما للارتقاء بفن السرد الخليجي من خلال لقاءات ومناقشات اصحاب الاختصاص من المثقفين والمبدعين الخليجيين لتجاربهم واعمالهم الابداعية بما يعود على الثقافة وفنون السرد الخليجية برؤى جديدة ونظرة ثقافية متطورة تتضيف إلى القطاع الثقافي الخليجي.
بدأت الجلسة الاولى في اليوم الثاني والتي ضمت ثلاث أوراق عمل الاولى للكاتبة الاماراتية مريم جمعة فرج والثانية للكاتب القطري محمد حسن الكواري والثالثة للكاتب العماني حمود التشكيلي.
اللغة والسرد والبحث عن ما وراء المعني في القصة الإماراتية
تناولت الورقة “قراءة في السرد واللغة كحالة ذهنية” التي قدمتها مريم جمعة فرج من الإمارات، وبحثت من خلال دراستها على الحالة الإنسانية وإلباس اللغة كافة الإرهاصات التأملية وهي ترصد وقائع الحياة من وجهة نظر مريم الساعدي وصالحة عبيد، فالسرد واللغة هي حالة ذهنية تنبع من الداخل، من الذات ولذا فبقراءة موجزة في القصة الإماراتية القصيرة بالإحالة إلى نماذج مختارة من أعمال القاصتين مريم الساعدي وصالحة عبيد، حيث تتوقف هذه القراءة على مشارف النماذج القصصية “نوارس تشي جيفارا وثوب زهري في جنازة جدتي” لمريم الساعدي و”خصلة بيضاء بشكل ضمني وغرق أو ما لم يشعه الرواة حول سلامة وبناتها” لصالحة عبيد، بعد إلقاء الضوء على مكوناتها السردية اللغوية بالتركيز على اللغة في سياقها الذهني وما يعبر عنها من عناصر فنية ضرورية للبناء السردي القصصي لدى الكاتبتين كالمفارقة، التكثيف والشعرية والاسترجاع، وتطرح الورقة القدرات الإبداعية للقاصتين التي تعتبران النص السردي رؤية ذاتية تأتي اللغة للإفشاء بها عبر حالة ذهنية ونصوص تحيلك لا إلى المعنى فقط وإنما إلى ما وراء المعنى.
إشكالية التاريخ والرواية في عمان
تناولت ورقة الأستاذ حمود الشكيلي التاريخ في الرواية العمانية حيث يطرح من خلالها العلاقة بين الخطاب الروائي باعتباره خطابا انشائيا جماليا والتاريخ باعتباره خطاباً واقعياً نفعياً وحاول الناقد تقسيم الدراسة إلى ثلاثة مراحل عن التطور الذي حدث في الرواية العمانية من حيث علاقتها بالتاريخ، وأشار إلى المرحلة الأولى بعرض روايتي “الجبل الاخضر” و”الشراع الكبير” ورواية “من الجانب الآخر”، ليؤكد أن التاريخ كان طاغياً وبقوة على العمل الإبداعي السردي الذي غلبت عليه الواقعية وصار الحدث التاريخي هو البطل واختفت بشكل كبير الناحية الفنية مؤكداً أن النص مفضوحاً ومقيداً بالتاريخ.
أما المرحلة الثانية قدم فيها الروائي الخطاب السردي ليدمج بين العمل الروائي والخطاب الجمالي ويتباهى مع الرواية في محاولات مضنية لتقديم السرد الإبداعي الذي يحافظ على الأحداث التاريخية في محاولة للهروب من المباشرة، باعتبار الرواية ليست عملية تأريخيه، وظرب مثلا بروايتي “رحلة ابو زيد العماني” و”الوخذ”.
أما المرحلة الثالثة والتي تحررت فيها الرواية القيود التقليدية للتاريخ عبر تحريك الأحداث التاريخية عبر الأزمنة المختلفة لرصد تطور الشخصيات ولعب السرد دوراً جيداً في هذه الأعمال من خلال حركة الشخصيات والمشاعر والأحداث خارج إطار الحدث التاريخي التقليدي.
تفاعل السرد الخليجي مع التنوع الثقافي وتعدد الهويات
وقدم الدكتور فهد حسين من البحرين ورقة بعنوان “السرد الخليجي مرآة التنوع الثقافي وتعدد الهويات”، وركزت الورقة على الرواية الخليجية باعتبارها حاضنة للمشهد الثقافي العام وطرحت الورقة العديد من الأسئلة والمفاهيم بدأتها بالتساؤل حول وجود كتابات سردية خليجية حقيقية في مجال الرواية والقصة القصيرة ومدى اسهام الأعمال الإبداعية في إبراز المنجز السردي وأين موقع السرد الخليجي على المستويين العربي والأجنبي، كما تطرقت الورقة إلى مفهوم التنوع الثقافي وطبيعة الأعمال السردية الخليجية وموقعها الحالي، كما تعرضت الورقة إلى القضايا التي يطرحها السرد الخليجي والتي يؤكد من خلالها على التنوع الثقافي، ثم تتحدث الورقة عن طموحات أبناء الخليج تجاه السرد الخليجي، وأكد الدكتور فهد حسين أن الأدب استطاع أن يكون له حضور محلي وإقليمي وعربي بل إنه في بعض الحالات تجاوز ذلك إلى مناطق خارج الجغرافية العربية وكان وراء ذلك العديد من الأسباب أوجزها في التعليم والتطور التكنولوجي والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وغيرها التي مكنت هذا السرد من التحليق بشكل جيد خارج الإطار.
السرد مرآة حقيقية لرصد التنوع الثقافي الخليجي
تناولت الورقة التي قدمتها د.أمل محمّد عبدالواحد التّميمي من المملكة العربية السعودية [1]تعدد الهويات والاندماج الواعي في السّرد (الرّحلي) الخليجي من خلال مذكرات المبتعثين السّعوديين كبحث الميداني عن الهوية عبر السّفر، حيث تبدأ الورقة بمقولة منسوبة لفلاديمير بوتين “السنة يهاجرون، والشيعة يهاجرون، ويعيشون جنباً إلى جنب في بلاد الغرب ولا يتجرأ بعضهم على بعض! إذاً المشكلة في بلدهم، وقوانينهم وشيوخهم وحكامهم!! مؤكدة أن هذا الرأي هو المحرك الحقيقي وراء البحث عن مدى تأجج الطائفية في بلاد الخليج العربي، وتلاشيها عند الخليجين في بلاد الغرب فهذا محكوم في معرفة المتغيرات التي تطرأ على الأشخاص أنفسهم، حتى تتبدل هوياتهم من الهوية الأحادية المتعصبة إلى الهويات المتعددة بفعل المكان، هل هناك علاقة مباشرة للمكان في نبذ الطائفية والعصبية وانتهاج العدالة والتّسامح والتّعايش؟.
وأضافت “أننا معنيون في هذا اللقاء بالسرد الخليجي، فقد بحثنا عن النوع السّردي الذي يجعلنا نُجيب عن هذا التّساؤل، ونناقش الفرضية التي تتضمنه مقولة بوتين. وقد هدانا التفكير في هذا الموضوع إلى اختيار الأدب الذاتي السردي الخليجي بوصفه أوضح الأنواع السردية تعبيرا عن هذه الإشكالية. فالسّيرة الذّاتيّـة أو التراجم أو اليوميات مثل يوميات أنا سنيّة أنت شيعيّ: يوميات طالبة سعودية في جامعة البحرين للروائية السّعودية سارة مطر يمكن أن تكون نموذجاً صالحاً للتحليل؛ حيث تتحدث فيها عن تجربتها في البحرين إبان دراستها في الجامعة منذ عام 2003 حتى 2007م، ولكننا وجدنا أنفسنا أمام مُعضلة وهي أن العنوان ربما يُثير الشّك والرّيبة، ولكن الحقيقة أن الكتاب بشكل عام، هو “محاولة لرصد المشاعر الجميلة في كلا المذهبين، والتأكيد أن للمذهبين صفات تكمل أحدهما الآخر، ولا غنى عن وجودهما في الوطن.
السّرد الرّحلي الخليجي:
يتناول هذا البحث تعدد الهويات في السّرد الرّحلي الخليجي كما هي ممثلة في كتب مذكرات الابتعاث للطلبة السعوديين، وكان السبب في قصر عينة الدراسة على السّرد الرّحلي الخليجي؛ لأنها من أكثر النّصوص السّردية التي تناسب البحث الميداني عن الهوية عبر السفر.
لقد ظهر العديد من كتب المبتعثين الخليجيين عموما، على سبيل المثال كتاب الكاتبة القطرية فاطمة أحمد المهندي أعماق إندونيسيا (2014م)، والسعوديين على وجه الخصوص الذين سردوا فيها رحلاتهم وتجاربهم مع الآخر الغربي، من أمثال: كتاب أيام بين شيكاغو وباريس: رحلة بعد أحداث 11 أيلول (2005م) لمحمد بن حامد الأحمري الذي يروي فيه المؤلف مشاهد ومواقف وأحداثاً وقعت – بعد أحداث الحادي عشر من أيلول- للناس وللثقافة في أمريكا وغيرها من الأعمال الإبداعية.
وقالت الدكتورة التميمي إن مثل هذه النوعية من المؤلفات تعكس انطباعات ذاتية مهمة تتصل بموضوعنا، وقد تكشف لنا مثل هذه النوعية من الكتب الكثير من ردة فعل العربي تجاه الحضارة الغربية، انصداماً واندماجاً، ولعلنا في هذا البحث نرصد بعض مظاهر الصدمات الحضارية التي تقع للعربي عند اتصاله بالحضارة الغربية، ونقف على مظاهر التعايش والاندماج.
وركزت الورقة على عدة محاور أهمها المحور الأول ما يثير انتباه المبتعثين وإعجابهم أما المحور الثاني: ما يحرك الحسرة في داخل المبتعث، فيما اهتم المحور الثالث: مشكلات الطلبة ومظاهر اندماجهم الواعي، وأخيرا ركز المحور الرابع على معوقات الاندماج مع الآخر.
فيما طرح الدكتور حسن رشيد من دولة قطر خلال جلسات امس بحث بعنوان “بدايات القص في قطر ” حيث طرح بدايات السرد في قطر قائلاً ان البدايات كانت “مغلفه بالضبابية.. حيث لعب الاشقاء العرب دورا في إطار تقديم بعض النماذج عبر المجلات التي تصدر عبر شركات النفط مثل (المشعل) وفي إطار النقد الموضوعي فلا يمكن إدراج تلك المحاولات ذات أثر إبداعي.
اما ما يخص الرواية أوضح رشيد ان الأمر أكثر غموضاً، ذلك أن ما أطلق عليه (صالح العبيدلي) الرواية والتي حملت عنوان (حاملة الحقيبة) قد تم مصادراتها من قبل الجهات الرسمية ومن ثم تم إبعاد صاحبها الطالب إلى وطنة الأم.
وعن محاولات الكاتب يوسف النعمة في بنت الخليج، والولد الهايت، قد تزامن مع بدايات القص في فترة الستينيات، فهي أيضا اقرب إلى المواضيع الانشائية، و إن كان ليوسف النعمة فضل الريادة وقد كان التأثير والتأثر واضحا بما قرأه و أثناء فترة قصيرة عاشها في بيروت كطالب
و مع ظهور الصحافة المحلية وبخاصة مجلة الدوحة، عام 1969، ومجلة العروبة 1970، ظهر العديد من الاسماء بعضهم قد استمر حتى الآن مثل الدكتور أحمد عبدالملك، الدكتور حسن رشيد، الدكتورة كلثم جبر والعديد من الاسماء قد توقف عن الكتابة لعدة اسباب منها عدم الدعم المادي والمعنوي.
واكد رشيد ان هذا لا يعني أن الواقع السردي مغلف بالضبابية، فهناك العديد من الاسماء والعديد من المحاولات فقد نشرت حتى الآن مجموعتين في إطار القصة القصيرة،، (الموتى لايرتادون القصور ،الحضن البارد ) على سبيل المثال لا الحصر.
فيما قدم قد الباحث والكاتب البحريني عبدالقادر عقيل بحث بعنوان ” القصة القصيرة جداً خليجياً: التكثيف والادهاش” حيث استعرض من خلال البحث مسيرة وظهور القصة القصيرة جدا بداية من محاولات الروائي المعروف أرنست هيمنغواي وكتابةَ أقصرِ قصة مكونة من ست كلمات، وكيف فتح بذلك الباب أمام لونٍ جديدٍ من ألوانِ الكتابةِ الإبداعية أُطِلقَ عليه اسم (القصة الومضة) أو (القصة القصيرة جداً).
ثم تناول بعد ذلك عقيل صدور كتابِ (انفعالات) للروائية والكاتبة المسرحية الفرنسية ناتالي ساروت عام 1932 كأول عملٍ أدبي متكامل، يبشرُ بولادة القصة القصيرة جداً، معتمدةً في ذلك تقنية الإيجاَزِ والتكثيفِ، وكيف كان تأثير كتاب (انفعالات) كبيراً فرنسياً وعالمياً، إذ تتالت الكتابات الجادةُ التي احتفتْ بالقصة القصيرة جداً، كفنٍ سردي جديد يضافُ إلى الفنون السردية المعروفة الأخرى ثم ترجمة الكاتب والناقد المصري فتحي العِشري رواية (انفعالات) إلى العربية في عام 1971 فكانت فاتحة لانتقال هذا الفنِ السردي الجديد آنذاك إلى الأدب العربي.
واضح عقيل ان في تلك الفترةِ شاع مصطلح (القصةِ القصيرة جدا) أو (القصة الومضة) في الصحف والمجلاتِ الأدبيةِ العربية، مع وجودِ تجاربَ أدبيةٍ لأسماءٍ مهمة مثل: وليد أخلاصي في مجموعته (الدهشة في العيون)، وزكريا تامر، وحسين المناصرة، ومحمود شقير الذي كتبَ في عام 1986 مجموعةِ (طقوس للمرأة الشقية) احتوت على أربعِ وثمانينَ قصةً قصيرةً جداً.
كادر
نظمت وزارة الثقافة وتنمية المعرفة أمس زيارة سياحية لكافة المشاركين في ملتقى السرد الخليجي الثالث إلى مسجد الشيخ زايد الكبير حيث أبدى الأدباء والروائيون إعجابهم الشديد بالمسجد باعتباره تحفة فنية ومعمارية متفردة، معبرين عن سعادتهم بزيارة هذا المعلم الديني المهم، كما أكدوا على التنظيم الرائع لجلسات وأعمال ملتقى السرد الذي سمح للمبدعين الخليجيين في الرواية والقصة والنقد الأدبي بالتباحث والنقاش والاطلاع على تجارب وأعمال بعضهم البعض بما يفيد العملية الإبداعية على مستوى كافة دول الخليج.