- في هذا العام يكون سلطان - إن كان حيا - في عمر الثلاثين؛ قد لايذكرني ولكني لم ولن أنساه ليس لتميزه أو لذكائه الخارق ولكنه وقف بيني وبينه تعلمت منه درسا ، درسا لم أتعلمه في الجامعة، هو بنفسه لم يعلم بهذا الدرس ، ولم أخبره به، و لكني حفظته عن ظهر قلب، وأوعيته، وطبقته - قدر الإمكان - في حياتي العملية و العامة، ونقلت مضمونه إلى زملائي ولازلت.
- كان سلطان في الصف الرابع الابتدائي ، وكنت لتوي قد تعينت؛ لم أكمل حتى عامي الأول، دخلت الفصل وبكل حزم و غلظة طلبت منهم أن يخرجوا الكتب، و قبل القراءة أصدرت التعليمات و التهديدات : تبعوا ، عينك في كتابك ، ياويل واحد ما يتبع…الخ ، تسمر الجميع على كراسيهم ، وأثناء القراءة لمحت سلطان منشغلا عن المتابعة وقد التهى بلعبة صغيرة، صرخت بإسمه: سلطان تبع، ارتج الفصل و ارتجف الصغار وكاد قلب الصغير أن ينخلع و بسرعة اخفى لعبته في درجه، وبطرف عينه لمح اصبع زميله الذي بجواره على الكلمة التي وقفنا عليها، أكملت القراءة، وماهي إلا لحظات حتى لمحته يتأمل سقف الفصل، هنا فقدت اعصابي توجهت إليه وبادرته بضربه بكفي الأيمن على صدغه الأيسر وللمرة الثانيه صرخت فيه : يا حـيـ…… ليش ما تبّع ؟ جاء الرد سريعا و صادما : كل…… ،!! تسمرت أمامه لثواني ، فاجئتني ردة فعلة، زادت نبضات قلبي ، تسارع نفسي، حدقت فيه بنظرات حادة وفي مخيلتي عدة سيناريوهات، أخفض الصغير رأسه وكأنه أحس بخطئه، و لسان حاله " سبق السيف العذل "!! هنا تحركت عاطفتي قليلا فرحمت ضعفه و صغر سنه؛ سحبته من ياقة ثوبه و أخرجته إلى غرفة الوكيل، وبعد الحصة وفي الممر جآني بشفاعة الوكيل معتذرا ، قبلت إعتذاره بعد أن اخبرني الوكيل أنه تواصل مع ولي الأمر، توجهت بعدها لغرفة المعلمين. اعرف أنه لم يقصدها، ولكنها خرجت منه كردة فعل و لا يخفى عليكم أنها كلمة للاسف دارجة بين الكبار والصغار في مجتمعنا، ،
- لا أخفيكم أنها هزتني كلمت سلطان أحسست أن كرامتي جُرحت خاصة أنها ستكون حديث الفصل و ستنقل للبيوت.
بعد نهاية الدوام و بعد القيلولة وعندما هدأت بدأت استرجع الشريط و أعيد تقييم الوضع، وضعت نفسي مكانه عشت إحساسه وشعوره؛ في تلك اللحظة تأكدت أن هذه الكلمة أخرجها القهر !! ولكن مالذي قهر سلطان الطفل الهادئ ، إنه أنا !! نعم أنا !! استفزازي له، غلظتي و شدتي، صحيح أن الفصل يحتاج لضبط وحسن إدارة ، لكني لم أكن أملك الأدوات الصحيحة لذلك ، إنما هي عصاي ووصايا من بعض الزملاء بالشدة و التجهم وعدم التبسم و للأسف هذا كله خطأ فادح وقعت به و يقع به من الزملاء الكثير ، ولازلت أذكر ذلك الزميل الذي لا يخلو يوم دراسي إلا و قد أخرج مجموعة من الطلاب إلى الوكيل بحجة أنهم " قليلين أدب " و بعد البحث تكتشف الإدارة أنه يسخر منهم و يستهزئ بهم وإذا رد عليه طالب طرده من الفصل، وكان هذا ديدنه لدرجة أن الإدارة بعد ذلك لم تعتد تهتم لشكواه، ولا أبالغ إن قلت أن أغلب من ضُرب من المعلمين كان بسبب استفزازه للطلاب .
- المعلم يحتاج لقوة شخصية و معرفة بأدوات إدارة الفصل، احترام الطالب و التعامل معه برقي مطلب ضروري نعم هناك شواذ و لكن هم قلة.
*احمد العوفي